طارق عباس
عندما
يقع حدث هام في مصر تتسابق وسائل الإعلام في تغطيته وإبراز ملابساته
وملامحه، لكن الغريب أن هناك متابعات كثيرة غائبة عن المشهد يغفلها
القائمون على تلك المؤسسات أو الكيانات الإعلامية، فمثلا واقعة دهس
المتظاهرين بالسيارة الدبلوماسية البيضاء التي تم التقاطها بإحدى كاميرات
التليفونات المحمولة، تسابق الجميع في إبراز الصورة دون محاولة الوصول إلى
ما خلفها، "النيابة العامة تحقق في واقعة دهس المتظاهرين" عناوين متشابهة
كثيرة لكن حتى الآن لم يعلم أحد إلام انتهت تلك التحقيقات، ومن هو السائق
المغوار الذي أطاح بالعشرات من المتظاهرين بالسيارة وداس على الباقين
بعجلاتها فمات منهم من مات وأصيب منهم من أصيب، ناهيك عن قضية سعاد حسني،
واتهام مبارك بقتل السادات.
فإذا كان الإعلام مهتما لأبعد الحدود
بالأموال المنهوبة والمهربة إلى خارج مصر بواسطة أقطاب الفساد من زبانية
نظام مبارك – ولا سيما مبارك نفسه- فلماذا توقف بهلوانات الفضائيات عن
الحديث عن ذلك الملف، وما هو موقف حسين سالم وبطرس غالي ورشيد وباقي
الهاربين؟ وهل سيسلمون إلى مصر أم لا ؟ وبالمناسبة فإن قضية خالد سعيد التي
كانت حجر الزاوية في اندلاع الثورة المصرية لا زالت تؤجل وتؤجل ولم تصل
إلى حد الجزم بصحة الواقعة نفسها من عدمه، وأتساءل كغيري عن دور جهاز الأمن
الوطني الجديد – أو قطاع لأن كلمة جهاز بتزعل بتوع الداخلية – في التوصل
إلى مرتكبي الاعتداءات المتكررة على خطوط الغاز – مع احتفاظي برأيي في
تبعات تلك الهجمات - ، جرائم قتل وقضايا تجسس وقتل ونهب وحروب ومعارك
بالأسلحة النارية وهجوم مسلح على أقسام الشرطة وغيره، ولم يعلم أحدا طبيعة
المتهمين ولا انتماءاتهم أو التنظيمات التابعين لها ، لتظهر واقعة جديدة
تهتم بها وسائل الإعلام وتعاد الكرّة من جديد.
والحديث
هنا ليس لإلقاء اللوم على القائمين على التغطيات الإعلامية فقط، ولكن أيضا
هناك من يتلاعبون بالرأي العام من خلال تسريب بعض الأخبار أو المعلومات
لخدمة أهداف بعينها، بالضبط كما كان تفعل أجهزة النظام السابق لإلهاء
المواطنين عن أشياء أخرى أهم، ويشترك في هذا الأمر السيد النائب العام
ورجاله، فلم أجد مبررا لتمرير ملف تحقيقات النيابة مع الرئيس المخلوع ، بل
أجزاء معينة منه، أو سببا للتصريحات اليومية التي يطلقها الطبيب الذي يدير
مستشفى شرم الشيخ حول حالة مبارك الصحية بل والنفسية ، على الرغم من أن
الزميل الكبير ابراهيم عيسى واجه حكما بالحبس بسبب تطرقه إلى هذه النقطة في
إحدى مقالاته، ولكن ما هو مؤكد أن إملاءات من جهات ما توجه لمدير المستشفى
لتخلق هالة من الغموض حول حالة المخلوع قبل أيام من محاكمته.
الأمر
يتكرر في إبراز وسائل الإعلام لتصريحات وزير الداخلية حول السيطرة الأمنية
وعودة الشرطة لقوتها المعهودة، دون النزول إلى الشارع، ورؤية ما يحدث،
فالأسلحة أصبحت منتشرة، والمخدرات باتت تباع في محلات مخصصة لها وعلى نواصي
الشوارع ، وفي المقابل فإن وزير الداخلية ومساعدوه يؤكدون دائما أنهم
يعملون على القضاء على البؤر الإجرامية والانفلات الأمني ولم تكد تلك
التصريحات تنتهي من إطلاقها ونرى في اليوم التالي حربا بالأسلحة الثقيلة
على قسم شرطة ثان العريش.
ومع
انشغال المواطن بهمومه اليومية والجري وراء لقمة العيش فإنه يصدق دون
تخوين منابر إعلامية كثيرة، للأسف تستهين بعقله وتهتم معظمها بالكم وليس
الكيف، وكأن محاولات التحليل اليومي للأخبار والأحداث مقتصر فقط على مجموعة
البدل التي تظهر يوميا على شاشات الفضائيات وهي نفسها التي تظهر صورها
واجتهاداتها في الصحف والمجلات، وبالتالي فمن السهل قيادة الرأي العام
لتكوين رؤى محددة الأهداف حول موضوعات تمس بطريقة غير مباشرة حياة المواطن
العادي من خلال توجيه أصحاب تلك البدل، والمطلوب في هذا الصدد اعتماد كل
مشاهد أو قارئ على ذكاءه واستنتاج ما وراء موائد الحوار المنصوبة على كل
الشاشات وتخيل المشهد من منظور خاص، وليكن مشابها لوجهة نظر أحد أصدقائي
الذي توقع أن بيانات الرئيس السابق التي كان يلقيها في بداية الثورة كانت
تبث من داخل غرفة نومه، "هاتولي جاكتة البدلة بس من غير البنطلون ،
وانصبوا العلم وشعار الرياسة قدام الستارة الزرقا، وخلونا نقول الكلمتين
ماهو ما حدش شايف البتاعة الخشب اللى قدامي دى وراها إيه" !!!!
الثلاثاء أكتوبر 18, 2011 2:19 pm
